فصل: باب إِذَا كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَيْنَ الْقَوْمِ حَائِطٌ أَوْ سُتْرَةٌ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب إِلْزَاقِ الْمَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالْقَدَمِ بِالْقَدَمِ فِي الصَّفِّ

وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف‏)‏ المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله، وقد ورد الأمر بسد خلل الصف والترغيب فيه في أحاديث كثيرة أجمعها حديث ابن عمر عند أبي داود وصححه ابن خزيمة والحاكم ولفظه ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال النعمان بن بشير‏)‏ هذا طرف من حديث أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة من رواية أبي القاسم الجدلي واسمه حسين بن الحارث قال ‏"‏ النعمان بن بشير يقول‏:‏ أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال‏:‏ أقيموا صفوفكم ثلاثا، والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم‏.‏

قال‏:‏ فلقد رأيت الرجل منا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وكعبه بكعبه ‏"‏ واستدل بحديث النعمان هذا على أن المراد بالكعب في آية الوضوء العظم الناتئ في جانبي الرجل - وهو عند ملتقى الساق والقدم - وهو الذي يمكن أن يلزق بالذي بجنبه، خلافا لمن ذهب أن المراد بالكعب مؤخر القدم، وهو قول شاذ ينسب إلى بعض الحنفية ولم يثبته محققوهم وأثبته بعضهم في مسألة الحج لا الوضوء، وأنكر الأصمعي قول من زعم أن الكعب في ظهر القدم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ رواه سعيد بن منصور عن هشيم فصرح فيه بتحديث أنس لحميد وفيه الزيادة التي في آخره وهي قوله ‏"‏ وكان أحدنا الخ ‏"‏ وصرح بأنها من قول أنس‏.‏

وأخرجه الإسماعيلي من رواية معمر عن حميد بلفظ ‏"‏ قال أنس‏:‏ فلقد رأيت أحدنا الخ ‏"‏ وأفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته، وزاد معمر في روايته ‏"‏ ولو فعلت ذلك بأحدهم اليوم لنفر كأنه بغل شموس‏"‏‏.‏

*3*باب إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ وَحَوَّلَهُ الْإِمَامُ خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام وحوله الإمام خلفه إلى يمينه تمت صلاته‏)‏ تقدم أكثر لفظ هذه الترجمة قبل بنحو من عشرين بابا لكن ليس هناك لفظ ‏"‏ خلفه ‏"‏ وقال هناك ‏"‏ لم تفسد صلاتهما ‏"‏ بدل قوله ‏"‏ تمت صلاته ‏"‏ وأخرج هناك حديث ابن عباس هذا لكن من وجه آخر، ولم ينبه أحد من الشراح على حكمة هذه الإعادة، بل أسقط بعضهم الكلام على هذا الباب‏.‏

والذي يظهر لي أن حكمهما مختلف لاختلاف الجوابين، فقوله ‏"‏ لم تفسد صلاتهما ‏"‏ أي بالعمل الواقع منهما لكونه خفيفا وهو من مصلحة الصلاة أيضا، وقوله ‏"‏تمت صلاته ‏"‏ أي المأموم ولا يضر وقوفه عن يسار الإمام أولا مع كونه في غير موقفه، ولأنه معذور بعدم العلم بذلك الحكم‏.‏

ويحتمل أن يكون الضمير للإمام وتوجيهه أن الإمام وحده في مقام الصف، ومحاولته لتحويل المأموم فيه التفات ببعض بدنه ولكن ليس تركا لإقامة الصف للمصلحة المذكورة، فصلاته على هذا لا نقص فيها من هذه الجهة والله أعلم‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ يحتمل أن يكون الضمير للرجل لأن الفاعل وإن تأخر لفظا لكنه متقدم رتبة فلكل منها قرب من وجه‏.‏

قلت‏:‏ لكن إذا عاد الضمير للإمام أفاد أنه احترز أن يحوله من بين يديه لئلا يصير كالمار بين يديه‏.‏

*3*باب الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا تَكُونُ صَفًّا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب المرأة وحدها تكون صفا‏)‏ أي في حكم الصف، وبهذا يندفع اعتراض الإسماعيلي حيث قال‏:‏ الشخص الواحد لا يسمى صفا، وأقل ما يقوم الصف باثنين‏.‏

ثم إن هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه ابن عبد البر من حديث عائشة مرفوعا ‏"‏ والمرأة وحدها صف‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن محمد‏)‏ هو الجعفي، وإن كان عبد الله بن محمد بن أبي شيبة قد روى هذا الحديث أيضا عن سفيان وهو ابن عيينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن إسحاق عن أنس‏)‏ في رواية الحميدي عند أبي نعيم وعلي بن المديني عند الإسماعيلي كلاهما عن سفيان ‏"‏ حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صليت أنا ويتيم‏)‏ كذا للجميع، وكذا وقع في خبر يحيى بن يحيى المشهور من روايته عن ابن عيينة‏.‏

ووقع عند ابن فتحون فيما رواه عن ابن السكن بسنده في الخبر المذكور ‏"‏ صليت أنا وسليم ‏"‏ بسين مهملة ولام مصغرا فتصحفت على الراوي من لفظ ‏"‏ يتيم ‏"‏ ومشى على ذلك ابن فتحون فقال في ذيله على الاستيعاب‏:‏ سليم غير منسوب وساق هذا الحديث‏.‏

ثم إن هذا طرف من حديث اختصره سفيان وطوله مالك كما تقدم في ‏"‏ باب الصلاة على الحصير ‏"‏ واستدل بقوله ‏"‏ فصففت أنا واليتيم وراءه ‏"‏ على أن السنة في موقف الاثنين أن يصفا خلف الإمام، خلافا لمن قال من الكوفيين أن أحدهما يقف عن يمينه والآخر عن يساره، وحجتهم في ذلك حديث ابن مسعود الذي أخرجه أبو داود وغيره عنه أنه أقام علقمة عن يمينه والأسود عن شماله، وأجاب عنه ابن سيربن بأن ذلك كان لضيق المكان، رواه الطحاوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأمي أم سليم خلفنا‏)‏ فيه أن المرأة لا تصف مع الرجال، وأصله ما يخشى من الافتتان بها فلو خالفت أجزأت صلاتها عند الجمهور، وعن الحنفية تفسد صلاة الرجل دون المرأة، وهو عجيب وفي توجيهه تعسف حيث قال قائلهم‏:‏ دليله قول ابن مسعود ‏"‏ أخروهن من حيث أخرهن الله ‏"‏ والأمر للوجوب، وحيث ظرف مكان ولا مكان يجب تأخرهن فيه إلا مكان الصلاة فإذا حاذت الرجل فسدت صلاة الرجل لأنه ترك ما أمر به من تأخيرها، وحكاية هذا تغني عن تكـلف جوابه، والله المستعان‏.‏

فقد ثبت النهي عن الصلاة في الثوب المغصوب وأمر لابسه أن ينزعه، فلو خالف فصلى فيه ولم ينزعه أثم وأجزأته صلاته، فلم لا يقال في الرجل الذي حاذته المرأة ذلك‏؟‏ وأوضح منه لو كان لباب المسجد صفة مملوكة فصلى فيها شخص بغير إذنه مع اقتداره على أن ينتقل عنها إلى أرض المسجد بخطوة واحدة صحت صلاته وأثم، وكذلك الرجل مع المرأة التي حاذته ولا سيما إن جاءت بعد أن دخل في الصلاة فصلت بجنبه‏.‏

وقال ابن رشيد‏:‏ الأقرب أن البخاري قصد أن يبين أن هذا مستثنى من عموم الحديث الذي فيه ‏"‏ لا صلاة لمنفرد خلف الصف ‏"‏ يعني أنه مختص بالرجال، والحديث المذكور أخرجه ابن حبان من حديث علي بن شيبان، وفي صحته نظر كما سنذكره في ‏"‏ باب إذا ركع دون الصف ‏"‏ واستدل به ابن بطال على صحة صلاة المنفرد خلف الصف خلافا لأحمد، قال‏:‏ لأنه لما ثبت ذلك للمرأة كان للرجل أولى، لكن لمخالفه أن يقول‏:‏ إنما ساغ ذلك لامتناع أن تصف مع الرجال، بخلاف الرجل فإن له أن يصف معهم وأن يزاحمهم وأن يجذب رجلا من حاشية الصف فيقوم معه فافترقا‏.‏

وباقي مباحثه تقدمت في ‏"‏ باب الصلاة على الحصير‏"‏‏.‏

*3*باب مَيْمَنَةِ الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ميمنة المسجد والإمام‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس مختصرا، وهو موافق للترجمة‏:‏ أما للإمام فبالمطابقة، وأما للمسجد فباللزوم‏.‏

وقد تعقب من وجه آخر، وهو أن الحديث إنما ورد فيما إذا كان المأموم واحدا، أما إذا كثروا فلا دليل فيه على فضيلة ميمنة المسجد‏.‏

وكأنه أشار إلى ما أخرجه النسائي بإسناد صحيح عن البراء قال ‏"‏ كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه‏"‏، ولأبي داود بإسناد حسن عن عائشة مرفوعا ‏"‏ أن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف‏"‏‏.‏

وأما ما رواه ابن ماجه عن ابن عمر قال ‏"‏ قيل للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن ميسرة المسجد تعطلت، فقال‏:‏ من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر ‏"‏ ففي إسناده مقال‏.‏

وإن ثبت فلا يعارض الأول لأن ما ورد لمعنى عارض يزول بزواله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قُمْتُ لَيْلَةً أُصَلِّي عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدِي أَوْ بِعَضُدِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ وَقَالَ بِيَدِهِ مِنْ وَرَائِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا موسى‏)‏ هو ابن إسماعيل التبوذكي، وعاصم هو ابن سليمان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال بيده‏)‏ أي تناول، ويدل عليه رواية الإسماعيلي ‏"‏ فأخذ بيدي‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من ورائي‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ من ورائه ‏"‏ وهو أوجه‏.‏

*3*باب إِذَا كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَيْنَ الْقَوْمِ حَائِطٌ أَوْ سُتْرَةٌ

وَقَالَ الْحَسَنُ لَا بَأْسَ أَنْ تُصَلِّيَ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ نَهْرٌ وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ يَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ جِدَارٌ إِذَا سَمِعَ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة‏)‏ أي هل يضر ذلك بالاقتداء أو لا‏؟‏ والظاهر من تصرفه أنه لا يضر كما ذهب إليه المالكية، والمسألة ذات خلاف شهير، ومنهم من فرق بين المسجد وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن‏)‏ لم أره موصولا بلفظه، وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عنه في الرجل يصلي خلف الإمام أو فوق سطح يأتم به‏:‏ لا بأس بذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو مجلز‏)‏ وصله ابن أبي شيبة عن معتمر عن ليث بن أبي سليم عنه بمعناه، وليث ضعيف، لكن أخرجه عبد الرزاق عن ابن التيمي وهو معتمر عن أبيه عنه، فإن كان مضبوطا فهو إسناد صحيح‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فِي حُجْرَتِهِ وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ فَرَأَى النَّاسُ شَخْصَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ فَأَصْبَحُوا فَتَحَدَّثُوا بِذَلِكَ فَقَامَ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ فَقَامَ مَعَهُ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ صَنَعُوا ذَلِكَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَخْرُجْ فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ فَقَالَ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني محمد‏)‏ هو ابن سلام، قاله أبو نعيم وبه جزم ابن عساكر في روايته، وعبدة هو ابن سليمان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في حجرته‏)‏ ظاهره أن المراد حجرة بيته، ويدل عليه ذكر جدار الحجرة، وأوضح منه رواية حماد بن زيد عن يحيى عند أبي نعيم بلفظ ‏"‏ كان يصلي في حجرة من حجر أزواجه ‏"‏ ويحتمل أن المراد الحجرة التي كان احتجرها في المسجد بالحصير كما في الرواية التي بعد هذه، وكذا حديث زيد بن ثابت الذي بعده، ولأبي داود ومحمد بن نصر من وجهين آخرين عن أبي سلمة عن عائشة أنها هي التي نصبت له الحصير على باب بيتها، فإما أن يحمل على التعدد، أو على المجاز في الجدار وفي نسبة الحجرة إليها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقام ناس‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فقام أناس ‏"‏ وهذا موضع الترجمة لأن مقتضاه أنهم كانوا يصلون بصلاته وهو داخل الحجرة وهم خارجها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقام ليلة الثانية‏)‏ كذا للأكثر، وفيه حذف تقديره ليلة الغداة الثانية‏.‏

وفي رواية الأصيلي ‏"‏ فقام الليلة الثانية‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما أصبح ذكر ذلك الناس‏)‏ أي له، وأفاد عبد الرزاق أن الذي خاطبه بذلك عمر رضي الله عنه، أخرجه عن معمر عن الزهري عن عروة عنها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن تكتب عليكم‏)‏ أي تفرض، وهي رواية حماد بن زيد عند أبي نعيم، وكذا رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري عن عروة عنها، وستأتي بقية مباحثه في كتاب التهجد إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب صَلَاةِ اللَّيْلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة الليل‏)‏ كذا وقع في رواية المستملي وحده، ولم يعرج عليه أكثر الشراح ولا ذكره الإسماعيلي، وهو السياق لأن التراجم متعلقة بأبواب الصفوف وإقامتها، ولما كانت الصلاة بالحائل قد يتخيل أنها مانعة من إقامة الصف‏.‏

ترجم لها وأوردها ما عنده فيها، فأما صلاة الليل بخصوصها فلها كتاب مفرد سيأتي في أواخر الصلاة، وكأن النسخة وقع فيها تكرير لفظ ‏"‏ صلاة الليل ‏"‏ وهي الجملة التي في آخر الحديث الذي قبله فظن الراوي أنها ترجمة مستقلة فصدرها بلفظ ‏"‏ باب ‏"‏ وقد تكلف ابن رشيد توجيهها بما حاصله‏:‏ إن من صلى بالليل مأموما في الظلمة كانت فيه مشابهة بمن صلى وراء حائل‏.‏

وأبعد منه من قال‏:‏ يريد أن من صلى بالليل مأموما في الظلمة كان كمن صلى وراء حائط‏.‏

ثم ظهر لي احتمال أن يكون المراد صلاة الليل جماعة فحذف لفظ جماعة‏.‏

والذي يأتي في أبواب التهجد إنما هو حكم صلاة الليل وكيفيتها في عدد الركعات أو في المسجد أو البيت وهو ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ حَصِيرٌ يَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ وَيَحْتَجِرُهُ بِاللَّيْلِ فَثَابَ إِلَيْهِ نَاسٌ فَصَلَّوْا وَرَاءَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن المقبري‏)‏ هو سعيد، والإسناد كله مدنيون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويحتجزه‏)‏ كذا للأكثر بالراء أي يتخذه مثل الحجرة‏.‏

وفي رواية الكشميهني بالزاي بدل الراء أي يجعله حاجزا بينه وبين غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فثاب‏)‏ كذا للأكثر بمثلثة ثم موحدة أي اجتمعوا، ووقع عند الخطابي ‏"‏ آبوا ‏"‏ أي رجعوا‏.‏

وفي رواية الكشمهيني والسرخسي ‏"‏ فثار ‏"‏ بالمثلثة والراء أي قاموا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصلوا وراءه‏)‏ كذا أورده مختصرا، وغرضه بيان أن الحجرة المذكورة في الرواية التي قبل هذه كانت حصيرا‏.‏

وقد ساقه الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن أبي ذئب تاما، وسنذكر الكلام على فوائده في كتاب التهجد إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ حُجْرَةً قَالَ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ قَالَ عَفَّانُ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا مُوسَى سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ عَنْ بُسْرٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سالم أبي النضر‏)‏ كذا لأكثر الرواة عن موسى بن عقبة، وخالفهم ابن جريج عن موسى فلم يذكر أبا النضر في الإسناد أخرجه النسائي، ورواية الجماعة أولى‏.‏

وقد وافقهم مالك في الإسناد لكن لم يرفعه في الموطأ، وروى عنه خارج الموطأ مرفوعا، وفيه ثلاثة من التابعين مدنيون على نسق أولهم موسى المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حجرة‏)‏ كذا للأكثر بالراء، وللكشميهني أيضا بالزاي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من صنيعكم‏)‏ كذا للأكثر وللكشميهني بضم الصاد وسكون النون، وليس المراد به صلاتهم فقط، بل كونهم رفعوا أصواتهم وسبحوا به ليخرج إليهم، وحصب بعضهم الباب لظنهم أنه نائم كما ذكر المؤلف ذلك في الأدب وفي الاعتصام، وزاد فيه ‏"‏ حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به ‏"‏ وقد استشكل الخطابي هذه الخشية كما سنوضحه في كتاب التهجد إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة‏)‏ ظاهره أنه يشمل جميع النوافل، لأن المراد بالمكتوبة المفروضة، لكنه محمول على ما لا يشرع فيه التجميع، وكذا ما لا يخص المسجد كركعتي التحية، كذا قال بعض أئمتنا‏.‏

ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة ما يشرع في البيت وفي المسجد معا فلا تدخل تحية المسجد لأنها لا تشرع في البيت، وأن يكون المراد بالمكتوبة ما تشرع فيه الجماعة، وهل يدخل ما وجب بعارض كالمنذورة‏؟‏ فيه نظر، والمراد بالمكتوبة الصلوات الخمس لا ما وجب بعارض كالمنذورة، والمراد بالمرء جنس الرجال فلا يرد استثناء النساء لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لا تمنعوهن المساجد وبيوتهن خير لهن ‏"‏ أخرجه مسلم؛ قال النووي‏:‏ إنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد من الرياء، وليتبرك البيت بذلك فتنزل فيه الرحمة وينفر منه الشيطان، وعلى هذا يمكن أن يخرج بقوله ‏"‏ في بيته ‏"‏ بيت غيره ولو أمن فيه من الرياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عفان‏)‏ كذا في رواية كريمة وحدها، ولم يذكره الإسماعيلي ولا أبو نعيم، وذكر خلف في الأطراف في رواية حماد بن شاكر ‏"‏ حدثنا عفان ‏"‏ وفيه نظر لأنه أخرجه في كتاب الاعتصام بواسطة بينه وبين عفان‏.‏

ثم فائدة هذه الطريق بيان سماع موسى بن عقبة له من أبي النضر‏.‏

والله أعلم‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أبواب الجماعة والإمامة من الأحاديث المرفوعة على مائة واثنين وعشرين حديثا، الموصول منها ستة وتسعون، والمعلق ستة وعشرون، المكرر منها فيه وفيما مضى تسعون حديثا، الخالص اثنان وثلاثون، وافقه مسلم على تخريجها سوى تسعة أحاديث وهي‏:‏ حديث أبي سعيد في فضل الجماعة، وحديث أبي الدرداء ‏"‏ ما أعرف شيئا‏"‏، وحديث أنس ‏"‏ كان رجل من الأنصار ضخما‏"‏، وحديث مالك بن الحويرث في صفة الصلاة، وحديث ابن عمر ‏"‏ لما قدم المهاجرون‏"‏‏.‏

وحديث أبي هريرة ‏"‏ يصلون فإن أصابوا‏"‏، وحديث النعمان المعلق في الصفوف، وحديث أنس ‏"‏ كان أحدنا يلزق منكبه‏"‏، وحديثه في إنكاره إقامة الصفوف‏.‏

وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين سبعة عشر أثرا كلها معلقة إلا أثر ابن عمر أنه ‏"‏ كان يأكل قبل أن يصلي‏"‏، وأثر عثمان ‏"‏ الصلاة أحسن ما يعمل الناس ‏"‏ فإنهما موصولان والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

*3*باب إِيجَابِ التَّكْبِيرِ وَافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة‏)‏ قيل‏:‏ أطلق الإيجاب والمراد الوجوب تجوزا، لأن الإيجاب خطاب الشارع، والوجوب ما يتعلق بالمكلف وهو المراد هنا‏.‏

ثم الظاهر أن الواو عاطفة إما على المضاف وهو إيجاب وإما على المضاف إليه وهو التكبير، والأول أولى إن كان المراد بالافتتاح الدعاء لكنه لا يجب، والذي يظهر من سياقه أن الواو بمعنى مع، وأن المراد بالافتتاح الشروع في الصلاة‏.‏

وأبعد من قال إنها بمعنى الموحدة أو اللام، وكأنه أشار إلى حديث عائشة ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح بالتكبير ‏"‏ وسيأتي بعد بابين حديث ابن عمر ‏"‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم افتتح التكبير في الصلاة ‏"‏ واستدل به وبحديث عائشة على تعين لفظ التكبير دون غيره من ألفاظ التعظيم، وهو قول الجمهور، ووافقهم أبو يوسف‏.‏

وعن الحنفية تنعقد بكل لفظ يقصد به التعظيم‏.‏

ومن حجة الجمهور حديث رفاعة في قصة المسيء صلاته أخرجه أبو داود بلفظ ‏"‏ لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء مواضعه ثم يكبر ‏"‏ ورواه الطبراني بلفظ ‏"‏ ثم يقول الله أكبر ‏"‏ وحديث أبي حميد ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما ورفع يديه ثم قال‏:‏ الله أكبر ‏"‏ أخرجه ابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وهذا فيه بيان المراد بالتكبير وهو قول ‏"‏ الله أكبر‏"‏‏.‏

وروى البزار بإسناد صحيح على شرط مسلم عن علي ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال‏:‏ الله أكبر ‏"‏ ولأحمد والنسائي من طريق واسع بن حبان أنه سأل ابن عمر عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏"‏ الله أكبر كلما وضع ورفع ‏"‏ ثم أورد المصنف حديث أنس ‏"‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به ‏"‏ من وجهين ثم حديث أبي هريرة في ذلك، واعترضه الإسماعيلي فقال‏:‏ ليس في الطريق الأول ذكر التكبير ولا في الثاني والثالث بيان إيجاب التكبير وإنما فيه الأمر بتأخير المأموم عن الإمام قال‏:‏ ولو كان ذلك إيجابا للتكبير لكان قوله ‏"‏ فقولوا ربنا ولك الحمد ‏"‏ إيجابا لذلك على المأموم‏.‏

وأجيب عن الأول بأن مراد المصنف أن يبين أن حديث أنس من الطريقين واحد اختصره شعيب وأتمه الليث، وإنما احتاج إلى ذكر الطريق المختصرة لتصريح الزهري فيها بإخبار أنس له، وعن الثاني بأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وفعله بيان لمجمل الصلاة، وبيان الواجب واجب، كذا وجهه ابن رشيد، وتعقب بالاعتراض الثالث وليس بوارد على البخاري لاحتمال أن يكون قائلا بوجوبه كما قال به شيخه إسحاق بن راهويه‏.‏

وقيل في الجواب أيضا، إذا ثبت إيجاب التكبير في حالة من الأحوال طابق الترجمة، ووجوبه على المأموم ظاهر من الحديث، وأما الإمام فمسكوت عنه‏.‏

ويمكن أن يقال‏:‏ في السياق إشارة إلى الإيجاب لتعبيره بإذا التي تختص بما يجزم بوقوعه‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ الحديث دال على الجزء الثاني من الترجمة لأن لفظ ‏"‏ إذا صلى قائما ‏"‏ متناول لكون الافتتاح في حال القيام فكأنه قال‏:‏ إذا افتتح الإمام الصلاة قائما فافتتحوا أنتم أيضا قياما‏.‏

قال‏:‏ ويحتمل أن تكون الواو بمعنى مع والمعنى باب إيجاب التكبير عند افتتاح الصلاة، فحينئذ دلالته على الترجمة مشكل‏.‏

انتهى‏.‏

ومحصل كلامه أنه لم يظهر له توجيه إيجاب التكبير من هذا الحديث، والله أعلم‏.‏

وقال في قوله ‏"‏ فقولوا ربنا ولك الحمد ‏"‏ لولا الدليل الخارجي وهو الإجماع على عدم وجوبه لكان هو أيضا واجبا‏.‏

انتهى‏.‏

وقد قال بوجوبه جماعة من السلف منهم الحميدي شيخ البخاري، وكأنه لم يطلع على ذلك‏.‏

وقد تقدم الكلام على فوائد المتن المذكور مستوفى في ‏"‏ باب إنما جعل الإمام ليؤتم به‏"‏‏.‏

ووقع في رواية المستملي وحده في طريق شعيب عن الزهري ‏"‏ وإذا سجد فاسجدوا‏"‏‏.‏

ووقع في رواية الكشميهني في طريق الليث ‏"‏ ثم انصرف ‏"‏ بدل قوله ‏"‏ فلما انصرف ‏"‏ وزيادة الواو في قوله ‏"‏ ربنا لك الحمد ‏"‏ وسقط لفظ ‏"‏ جعل ‏"‏ عند السرخسي في حديث أبي هريرة من قوله ‏"‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به‏"‏‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ تكبيرة الإحرام ركن عند الجمهور، وقيل شرط وهو عند الحنفية، ووجه عند الشافعية، وقيل سنة‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ لم يقل به أحد غير الزهري، ونقله غيره عن سعيد بن المسيب والأوزاعي ومالك ولم يثبت عن أحد منهم تصريحا، وإنما قالوا فيمن أدرك الإمام راكعا تجزئه تكبيرة الركوع‏.‏

نعم نقله الكرخي من الحنفية عن إبراهيم بن علية وأبي بكر الأصم، ومخالفتهما للجمهور كثيرة‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يختلف في إيجاب النية في الصلاة، وقد أشار إليه المصنف في أواخر الإيمان حيث قال‏:‏ ‏"‏ باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنية ‏"‏ فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة إلى آخر كلامه‏.‏

*3*باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مَعَ الِافْتِتَاحِ سَوَاءً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء‏)‏ هو ظاهر قوله في حديث الباب ‏"‏ يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ‏"‏ وفي رواية شعيب الآتية بعد باب ‏"‏ يرفع يديه حين يكبر ‏"‏ فهذا دليل المقارنة‏.‏

وقد ورد تقديم الرفع على التكبير وعكسه أخرجهما مسلم، ففي حديث الباب عنده من رواية ابن جريج وغيره عن ابن شهاب بلفظ ‏"‏ رفع يديه ثم كبر ‏"‏ وفي حديث مالك بن الحويرث عنده ‏"‏ كبر ثم رفع يديه ‏"‏ وفي المقارنة وتقديم الرفع على التكبير خلاف بين العلماء، والمرجح عند أصحابنا المقارنة، ولم أر من قال بتقديم التكبير على الرفع، ويرجح الأول حديث وائل بن حجر عند أبي داود بلفظ ‏"‏ رفع يديه مع التكبير ‏"‏ وقضية المعية أنه ينتهي بانتهائه، وهو الذي صححه النووي في شرح المهذب ونقله عن نص الشافعي، وهو المرجح عند المالكية‏.‏

وصحح في الروضة - تبعا لأصلها - أنه لا حد لانتهائه‏.‏

وقال صاحب الهداية من الحنفية‏:‏ الأصح يرفع ثم يكبر، لأن الرفع نفي صفة الكبرياء عن غير الله، والتكبير إثبات ذلك له، والنفي سابق على الإثبات كما في كلمة الشهادة‏.‏

وهذا مبني على أن الحكمة في الرفع ما ذكر‏.‏

وقد قال فريق من العلماء‏:‏ الحكمة في اقترانهما أن يراه الأصم ويسمعه الأعمى‏.‏

وقد ذكرت في ذلك مناسبات أخر فقيل‏:‏ معناه الإشارة إلى طرح الدنيا والإقبال بكليته على العبادة، وقيل إلى الاستسلام والانقياد ليناسب فعله قوله الله أكبر‏.‏

وقيل إلى استعظام ما دخل فيه، وقيل إشارة إلى تمام القيام، وقيل إلى رفع الحجاب بين العبد والمعبود، وقيل ليستقبل بجميع بدنه، قال القرطبي‏:‏ هذا أنسبها‏.‏

وتعقب‏.‏

وقال الربيع قلت للشافعي‏:‏ ما معنى رفع اليدين‏؟‏ قال‏:‏ تعظيم الله واتباع سنة نبيه‏.‏

ونقل ابن عبد البر عن ابن عمر أنه قال‏:‏ رفع اليدين من زينة الصلاة‏.‏

وعن عقبة بن عامر قال ‏"‏ بكل رفع عشر حسنات، بكل إصبع حسنة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن مسلمة‏)‏ هو القعنبي، وفي روايته هذه عن مالك خلاف ما في روايته عنه في الموطأ، وقد أخرجه الإسماعيلي من روايته بلفظ الموطأ قال الدار قطني‏:‏ رواه الشافعي والقعنبي، وسرد جماعة من رواة الموطأ فلم يذكروا فيه الرفع عند الركوع‏.‏

قال‏:‏ وحدث به عن مالك في غير الموطأ ابن المبارك وابن مهدي والقطان وغيرهم بإثباته‏.‏

وقال ابن عبد البر كل من رواه عن ابن شهاب أثبته غير مالك في الموطأ خاصة، قال النووي في شرح مسلم‏:‏ أجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، ثم قال بعد أسطر‏:‏ أجمعوا على أنه لا يجب شيء من الرفع، إلا أنه حكى وجوبه عند تكبيرة الإحرام عن داود، وبه قال أحمد بن سيار من أصحابنا ا هـ‏.‏

واعترض عليه بأنه تناقض، وليس كما قال المعترض، فلعله أراد إجماع من قبل المذكورين أو لم يثبت عنده عنهما أو لأن الاستحباب لا ينافي الوجوب، وبالاعتذار الأول يندفع اعتراض من أورد عليه أن مالكا قال في روايته عنه إنه لا يستحب، نقله صاحب التبصرة منهم، وحكاه الباجي عن كثير من متقدميهم‏.‏

وأسلم العبارات قول ابن المنذر‏:‏ لم يختلفوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة‏.‏

وقول ابن عبد البر‏:‏ أجمع العلماء على جواز رفع اليدين عند افتتاح الصلاة‏.‏

وممن قال بالوجوب أيضا الأوزاعي والحميدي شيخ البخاري وابن خزيمة من أصحابنا نقله عنه الحاكم في ترجمة محمد بن علي العلوي، وحكاه القاضي حسين على الإمام أحمد‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ كل من نقل عنه الإيجاب لا يبطل الصلاة بتركه إلا في رواية عن الأوزاعي والحميدي‏.‏

قلت‏:‏ ونقل بعض الحنفية عن أبي حنيفة يأثم تاركه، وأما قول النووي في شرح المهذب أجمعوا على استحبابه ونقله ابن المنذر ونقل العبدري عن الزيدية أنه لا يرفع ولا يعتد بخلافهم، ونقل القفال عن أحمد بن سيار أنه أوجبه، وإذا لم يرفع لم تصح صلاته، وهو مردود بإجماع من قبله، وفي نقل الإجماع نظر فقد نقل القول بالوجوب عن بعض من تقدمه ونقله القفال في فتاويه عن أحمد بن سيار الذي مضى ونقله القرطبي في أوائل تفسيره عن بعض المالكية وهو مقتضى قول ابن خزيمة إنه ركن، واحتج ابن حزم بمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وقد قال ‏"‏ صلوا كما رأيتموني أصلي ‏"‏ وسيأتي ما يرد عليه في ذلك في الباب الذي يليه، ويأتي الكلام على نهاية الرفع بعد بباب‏.‏